chabab-mobadara

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

جمعية شباب المبادرة


    وجد الطريق الروائي في الوجدان العربي،.........abdssamad

    avatar
    samado


    المساهمات : 68
    تاريخ التسجيل : 04/11/2009

    وجد الطريق الروائي في الوجدان العربي،.........abdssamad Empty وجد الطريق الروائي في الوجدان العربي،.........abdssamad

    مُساهمة  samado الثلاثاء نوفمبر 24, 2009 2:19 pm

    الأدب في عرف أدباء ومفكري ما بات يعرف بعصر النهضة العربية ذو وظيفة تنويرية، لذلك اتخذوه مناسبة لتمرير الرسائل التثقيفية والتربوية، عبر محاكاة النموذج أو المثال الذي يقترحه النص الأدبي، أو عبر انتقاد معطيات الواقع؛ وقد وجدوا ضالتهم، أخيراً، في الرواية، هذا الجنس الأدبي الجديد على العرب (بغض النظر عن بعض الإرهاصات)، لأنه، من دون الأجناس الأدبية الأخرى ينفتح على الحياة بمجملها، ويستوعب تفاصيلها ومفرداتها، ويتحمل مستويات متعددة من الخطاب، نظراً لتعدد الشخصيات، وتفاوت مستواها المعرفي والاجتماعي، واختلاف موقعها الاقتصادي والسياسي، مما يجعل الخطاب الروائي قادراً على الوصول إلى الشرائح الاجتماعية كافة (المتحررة من الأمية الأبجدية بطبيعة الحال).‏

    ونظراً للطبيعة الخاصة لهذا الجنس الأدبي، خصوصاً عزوفه عن الاحتفال بالجزالة الأسلوبية والبلاغة اللفظية، وهذا شيء جديد على الذائقة الأدبية العربية، وجد الطريق ممهدة إلى الوجدان العربي، وإلى المتخيل العربي، مذكراً إياه بأشكال تراثية قديمة من السرد والحكي...‏

    وهكذا، بدأت تتخلق لغة جديدة ومختلفة، اتهمت في البداية بالركاكة والعجز، حين قيست بالموازين البلاغية العربية الرسمية... إلى الدرجة التي دفعت (مصطفى صادق الرافعي) لأن يدعو إلى محاكمة كتّاب الروايات أمام قانون العقوبات بتهمة (الفجور بالكتابة)؟!!! لكن الرواية العربية ظلت تؤسس بدأب لغتها الخاصة، وخطابها المختلف، إلى أن وصلت أخيراً إلى لغة، قد تكون شعرية، ولكنها ليست بلاغية... واستطاعت أن تنجز شكلها الخاص، الذي تجاوز شكل الرواية الغربية، أو هو في طريقه إلى ذلك، وهو في الحالات كلها شكل متمايز، ذو نكهة مختلفة. كما استطاعت أن تنجز واقعها الفني الخاص، المستمد من الواقع العربي وإشكالياته. وقد مرت الرواية العربية بمراحل، لكل مرحلة سماتها وخصائصها، اختلف النقاد العرب حول هذه المراحل باختلاف المنطق الذي اتخذوه معياراً في التصنيف.. وسأستعير (بكثير من التصرف) تصنيف (محمد برادة) الذي قسم الزمن الروائي العربي إلى ثلاث مراحل هي:‏

    1- مرحلة التجنّس والانتساب (1870- 1940) م. وأسميها مرحلة التخلّق.‏

    2- مرحلة الوعي بالسمات والحدود الفنية.. وامتلاكها (1940- 1967)م. وأسميها مرحلة التعيّن.‏

    3- مرحلة الكينونة المتكلمة والبحث عن أشكال جديدة متمايزة. (1967 الوقت الحاضر). وأسميها مرحلة التجاوز.‏

    مع الانتباه إلى النسبية في هذا التصنيف وسواه، وإلى عدم الدقة في كل تحديد أو تأطير زمني لفعاليات تأبى بطبيعتها الانضواء في دائرة زمن محدد.‏

    في مرحلة (التخلّق) تمت استعارة الشكل الروائي الغربي، بكثير من التصرف الناجم عن القصور، وعدم وضوح الرؤية غالباً... كما تمت استعارة مضامين غربية بعد خلع العباءة العربية عليها؟!! ورغم احتفال كتاب الرواية العرب بالجزالة وفخامة التعابير إلا أن لغة جديدة، أو بالأحرى، أنماطاً جديدة من التعبير بدأت تتخلق نظراً لطبيعة الرواية التي تعتمد على السرد.. والحكي.. أهم ما يميز تلك الأنماط الجديدة قلة الاحتفال بالفخامة، والتخفف من الجزالة اللفظية... وفي هذه المرحلة اتخذت الرواية مطية لتمرير الرسائل التربوية والأخلاقية والتنويرية.. ومن كتاب هذه المرحلة:‏

    (رفاعة الطهطاوي، وعلي مبارك، والمويلحي، وجورجي زيدان، وزينب فواز، وعبد الحميد الزهراوي، ورفيق رزق سلوم، والمنفلوطي) إلى أن وصلت الرواية العربية إلى مستوى فني وتقني جيد عند (محمد حسين هيكل) وقد عدت روايته (زينب) أول رواية عربية تستحق اسم الرواية فعلاً.‏

    وتميزت المرحلة الثانية، مرحلة التعين، بوضوح الحدود والسمات، والقدرة على تجسيد الأشياء، وبناء الشخصيات، وبروز الدال الفني والتقني على حساب المدلول (المضمون)...‏

    واستطاعت الرواية العربية في هذه المرحلة، نتيجة الوعي أكثر فأكثر بطبيعة هذا الجنس الأدبي، أن تخطو بعض الخطوات المحدودة، لكن الهامة، باتجاه الانعتاق من أسر الخطاب الرسمي السائد: (لغوياً وقيمياً وأخلاقياً وسياسياً...).. والتحرر من الخطاب الأيديولوجي، لحساب الناحية الفنية والجمالية... نجد ذلك في الأعمال المبكرة لنجيب محفوظ، وفي أعمال حنا مينه، وغائب طعمة فرمان، وليلى بعلبكي، وعبد الرحمن الشرقاوي، وغسان كنفاني، وجبرا إبراهيم جبرا، ويوسف إدريس، وعبد السلام العجيلي، وكوليت خوري.. وآخرون قد لا يقلون عنهم أهمية.‏

    أقول ما قلت عن احتفال الروائيين العرب في هذه المرحلة بالجانب الفني والجمالي على حساب الجانب الأيديولوجي (وإن كان ذلك على استحياء، وبصورة نسبية)، وأنا على علم بإصرار كثير من النقاد على تصنيف هؤلاء في خانات أيديولوجية أو مذهبية نقدية وأدبية مشهورة (الواقعية بتشظياتها، والرومانسية، والوجودية والماركسية) إلا إن قراءة جديدة، ذكية وواعية، ستكشف، في زعمي، أن أعمال أولئك الروائيين كانت أعمق بكثير مما استطاعت بعض القراءات النقدية المؤطرة، والاختزالية بالتالي، أن تلتقطه، أو ربما، مما أرادت أن تلتقطه، بل ربما عمدت إلى تغييبه وعدم الإفصاح عنه.‏

    أما في المرحلة الثالثة، مرحلة التجاوز، وهي التي تزامنت مع مرحلة الانهيارات القومية الكبرى، ومرحلة سقوط المشروع القومي العربي، أو بالأحرى، تعثره، ومرحلة انسداد الآفاق أمام المواطن العربي... في هذا الجو، استطاعت الرواية في جدلها مع الواقع العربي الرديء، ومن خلال مساءلته.. أن تنهض، وأن تحقق إنجازات فنية وفكرية كبرى، بعد أن بدأت تعمل لحسابها الخاص (إن صحت العبارة)، واشتغلت على تقنيتها ومشروعها الفني، غير مرهونة لظهر أيديولوجي يسندها، ويحدد لها آفاقها ( مع العلم أن الرواية لم تتخل عن الأيديولوجيا، ولا يمكن لها أن تتخلى، طالما أن الإنسان حيوان أيديولوجي بطبيعته) لكن الرواية العربية لم تعد تعمل في خدمة مشروع محدد، وتسويق رؤية محددة، قادمة من سياقات سياسية أو اجتماعية سائدة أو متنفذة، بل انحازت إلى القاع، المندهش والمحبط والمغيَّب، وإلى الجماهير العربية المحاصرة والمأزومة.. (دون أن ننسى احتفال الرواية العربية بالتوهج القومي في حرب تشرين، ومحاولتها التعبير عن ومضة العزة القومية تلك، والتي سرعان ما خبت في ديجور الإحباط العام...).‏

    في ظل هذا الركام من التنازلات والانكسارات، تقدمت الرواية العربية لتمارس مغامرتها الخطيرة، فانتقدت بجرأة، وإنْ من وراء قناع الفن، ومن وراء حجب التقنية التي ابتكرتها... ساعد في ذلك استعداد الجماهير لسماع صوتها من خلال أصوات أبطال الروايات وشخصياتها. لقد كانت الجماهير العربية أسبق من بعض النقاد في التقاط التجربة الروائية.. يدل على ذلك نفاد طبعات بعض الروايات، وإعادة طبع بعضها الآخر... كما ساعد الرواية فقدان الأمور وضوحها المزيف، بعد أن أثبتت المواجهات في الصعد كافة عقم الأجوبة التي كانت تقدمها السلطات (السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية والدينية والفنية والأدبية...) على أسئلة الواقع والمستقبل، وبعد أن سقطت ورقة التوت عن الخطاب السائد، الجاهز والمكرور، الذي مافتئت تردده بعض الجهات والأقلام، المستفيدة أو المضللة، إلى أن فقد مصداقيته وشرعيته... فتقدمت الرواية لتثير الأسئلة المربكة، لكن المشروعة.. التي تختنق في حلق المواطن من خلال نصوص اقتربت، أكثر فأكثر، من الخطوط الحمر، لا سيما ما يتعلق بثالوث السياسة والجنس والدين... فاستنطقت الجسد وشهواته، واللاوعي ومكبوتاته، والمجتمع وعلاقاته الزائفة وقيمه المترهلة، والتاريخ وخياناته...‏

    وما كان للروائي أن ينتج نصوصاً مهمة، فنياً وفكرياً، قبل أن يستعيد ذاته، التي كانت مرهونة لدى نظام سياسي ما، أو مأخوذة به.‏

    فقد كان الروائي العربي مخدوعاً أو مضللاً أو خائفاً (أو كل ذلك معاً).‏

    وتبرز في هذه المرحلة أسماء كثيرة، جاء بعضها من أقاليم كانت تعتبر هامشاً وأطرافاً، فنجد مرة أخرى: جبرا ابراهيم جبرا، وغائب طعمة فرمان، كما نجد عبد الرحمن منيف، وغالب هلسا، واميل حبيبي، والطيب صالح، وعبد الله العروي، وغادة السمان، وحيدر حيدر، وصنع الله ابراهيم، وجمال الغيطاني، والطاهر وطار، والياس خوري، ومحمد شكري، وحنان الشيخ، ومؤنس الرزاز، وابراهيم الكوني، وحليم بركات، وسليم بركات.. وحسن حميد. (ولست في وارد الحصر والتعداد، فثمة آخرون قد لا يقلون عمن ذكرت تمثيلاً).‏

    وهكذا فقد شكل الإخفاق المؤقت للمشروع النهضوي القومي العربي، وتعثره، وإخفاق الطروحات السائدة.. حافزاً مهماً لهذا الجنس الأدبي ليتقدم بوصفه فاعلية مناسبة تساهم في تكوين الهوية القومية، وفي إغنائها.. والتعبير عنها.. بعد الكشف عن زيف كثير من المقولات شبه المستقرة في الوجدان العربي (نتيجة تكرارها في الخطاب السلفي القديم والحديث)، بقصد زعزعتها واجتثاثها من جذورها...‏

    فتقدم الروائيون لالتقاط القيم الحقيقية الكبرى في التراث العربي، والتي تشكل الصوى الأساس للهوية الثقافية العربية، وعملوا على التعبير عنها، هي بالذات، وليس عن بدائلها أو تشظياتها عند هذه الجهة أو تلك. وقد أكدت الأعمال الروائية المهمة كيف أن تلك القيم الكبرى، التي تشكل هويتنا وخصوصيتنا، وتحدد تمايزنا لم تكن عائقاً أمام تقدمنا يحول دون إنجاز حداثة عربية حقيقية، طالما أن الحداثة في حقيقتها وجوهرها تتمثل في الروح الانتقادية، ورفض التكلس، ووضع الأمور جميعاً، دون استثناء، في ميزان العقل.‏

    واستؤنفت عملية إنتاج القيم الحقيقية الكبرى، بعد تحريرها من القراءات المغرضة، عن طريق امتلاك التراث، أقول امتلاكه لا الاستغراق فيه أو الاستلاب أمامه... جنباً إلى جنب مع التفاعل والحوار المنتج مع الثقافات المغايرة، لا سيما الحضارة الغربية، وقيمها الحقيقية والجوهرية، وليس مع مفرزاتها الاستهلاكية.‏

    ووعي الروائيون العرب (معظمهم على الأقل) أن الحداثة رؤية ورؤيا، من موقع الذات، ومن موقع الأمة وقيمها وحضارتها... وهذه الرؤية تعني التحرر من القيود أياً كانت.. لذلك عملوا على المساهمة في إغناء الهوية القومية، ومتابعة صنعها.. فأنجزوا روايات ونصوصاً تضاهي الشكل الروائي الغربي، بل وتتجاوزه في حالات كثيرة، وتكتنز بمضامين وإشكاليات عربية مستمدة من الواقع العربي. أقول ذلك وفي الذهن حالات بعض الروائيين العرب، الذين عانوا أكثر من سواهم من ضغوط المثاقفة، فأنتجوا نصوصاً تنتمي إلى (ما بعد الحداثة)؟!! بعد أن استعاروا هموم الآخرين ومشكلاتهم، وصاروا يبشرون بها في مجتمع لم ينجز حداثته بعد، وليست عنده، وبالتالي، سلبياتها... فتحولت المثاقفة عند هؤلاء إلى اغتراب عن الذات، وعن المحيط... وبقيت نصوصهم مجرد تدريبات على تهجيّ قيم الآخرين ومشكلاتهم.. مما أفقدها جمهورها العربي، وإن راجت في أماكن أخرى، وحظيت بالجوائز والمكافآت؟!!!‏

      الوقت/التاريخ الآن هو الأربعاء مايو 08, 2024 4:24 am